ربما تبادر إلى ذهنك في الكثير من الأحيان ،خاصة في مرحلة المراهقة، السؤال التالي: لماذا أنا هنا؟
أهنئك وأبشرك أنك تمتلك عقلا وقد قمت باستغلال بعض قدراته. لأن العاقل هو الذي لا يقبل الأمور هكذا، بل هو دائم التساؤل والبحث عن الإجابات، وهذا هو الطريق إلى معرفة الله.
فالله وهبنا هذا العقل لنستخدمه في التعرف عليه، فمن لا يعرف الله، فلم يستخدم عقله ولو كان عالما مشهورا أو بروفيسورا كبيرا وغيره.
كنت مثلك، وسمعت الإجابة التقليدية، إلا أن فيها شيئا ناقصا وهو الاقتناع. فشتان بين أن تصلي فقط لأن أحد والديك أمرك بالصلاة، أو أن تصلي لأنك تعلم أن هناك ربا يراك ويسمعك وسيحاسبك، يعني أن تصلي عن قناعة.
هذه المقالة ‘ الطويلة نوعا ما ‘ هي ملخص بسيط لما تعلمته من الكتب والمحاضرات والتفكير المضني، عن سبب وجودنا هنا على سطح هذا الكوكب.
خلقنا الله من أجل العمل الصالح، ووعدنا بالجنة، لقاء طاعته، والصبر على العمل النافع.
العمل الصالح هو كل عمل ينطبق عليه الشرطين التاليين: أولا أن يكون خالصا لوجه الله، لا تبتغي به سمعة أو جاها أو التقرب لشخص ما أو غير ذلك من الأمور الدنيئة. و ثانيا أن يكون موافقا لشرع الله، و شرع الله هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
إليك أمثلة بسيطة عن الأعمال الصالحة:
القيام بالعبادات (الصلاة، الزكاة، الصوم)
طاعة والديك وتحقيق مطالبهما
التبسم في وجه الناس
إدخال السرور على أهلك بهدية أو كلمة جميلة
الدعاء بظهر الغيب للناس وللأمة
مساعدة المحتاجين
إماطة الأذى عن الطريق
الإتصال بالأقارب والأصدقاء والإطمئنان عليهم
مساعدة شخص ما عنده مشكلة في حياته أو حاسوبه، ولما لا سيارته؟ المهم هو تقديم يد المساعدة.
اللعب مع الأطفال
التبرع بالدم
….
الخلاصة هي أن كل شئ تفعله يمكن أن يصبح عملا صالحا إذا أضفت إليه الشرطين المذكورين سلفا. مما يعني أن بإمكانك أن تجعل 24 ساعة في يومك كلها عملا صالحا.
والجوائز على فعل الأعمال الصالحة كثيرة جدا، وحجمها يتغير حسب حجم العمل الذي قمت به، وأضيف، هناك جوائز تحصل عليها هنا في الدنيا، وجوائز تحفظ لك وتتحصل عليها بعد موتك.
تدبر معي بعض الجوائز:
السعادة والنجاح والحياة الطيبة:
قال تعالى : “فأما من تاب وءامن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين” القصص – 67
قال تعالى ” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ” النحل – 97
الجنة:
قال تعالى :” إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا” مريم – 60
قال تعالى: “ومن يومن بالله ويعمل صالحا نكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهارخالدين فيها أبدا، ذلك الفوز العظيم” التغابن – 9
قال تعالى: “من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب” غافر – 40
قال تعالى: “والذين ءامنو وعملو الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون” البقرة – 86
وإن لم تعمل بالصالحات الآن ، فستندم وتقول مثل هؤلاء:
قال تعالى ” ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون” السجدة – 16
قال تعالى ” وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل” فاطر – 37
قال تعالى ” قال رب إرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا ، إنها كلمة هو قائلها” المومنون – 100
الجنة مستويات، والفرق شاسع بين مستوى وآخر، إذن حجم عملك الصالح هو الذي يحدد درجتك في الجنة، إذا أردت الدرجات العلى، فاحرص أن يكون عملك نافعا لأكبر فئة من الناس. فـ حجم النفع ومدى عمق تأثيره هو المقياس.
وتحديد الدرجات ليس عفويا، فالميزان دقيق، يقول الله تعالى “فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون” الصافات – 39
وإذا أردت الإستزادة، فاستخدم أحد مواقع أو برامج البحث في القرءان الكريم، وسترى نتائج مذهلة عن مدى التركيز على العمل في القرءان، مثلا:
كلمة ” عمل” أو “عملوا” : وردت 274 مرة
كلمة ” يعملون” : وردت 57 مرة
كلمة ” تعملون” : وردت 83 مرة
وكما رأينا، في معظم الآيات، نجد العمل الصالح مقترن مع الإيمان، وكذلك نجد في بعض الآيات أن التوبة، الإيمان والعمل الصالح مقترنين مع بعضهم البعض، مثل الآية:
قال تعالى :” إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا”
وهذا لأن الإيمان يدفع إلى العمل الصالح، فعندما تؤمن أن هناك إله لهذا الكون، مطلع على أعمالك وسيحاسبك على كل شئ فعلته أو لم تفعله، هذا الإيمان والاعتقاد سيجعلك تستنهض عزيمتك وتسعى في الأرض مصلحا ونافعا.
والتوبة تأتي أولا، فعليك أن تقلع عن الذنوب وتندم على التقصير ثم بعدها تشرع في العمل والإعمار، وفي الأثر: “التخلية قبل التحلية”. أن تخلي نفسك وتنقيها من الذنوب والآثام، بعدها تملأها بما يعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة.
وفي الكثير من الآيات نجد أن الإيمان باليوم الآخر مقترن مع الإيمان بالله، لأن الإيمان بالله وحده لا يكفي أن يدفعك للجد والعمل، فأنت تعمل عندما تتيقن أنك ستحاسب يوم القيامة على ما فعلت وما لم تفعل. فكل المشاكل التي نشاهدها الآن هي نتيجة لعدم الإيمان باليوم الآخر، قال تعالى: “وإن الذين لا يومنون بالآخرة عن الصراط لناكبون”.
إذن قبل فعل أو عدم فعل أي شئ، قم بتحضير إجابة تقابل بها الله عز وجل يوم القيامة، لأنك ستسأل:
عبدي، لماذا فعلت هذا؟ أو، عبدي، لماذا لم تفعل هذا؟
لماذا أخذت الرشوة؟ لماذا فضلت النوم عن الاستيقاظ لصلاة الفجر؟ لماذا ذهبت إلى الحفلة المليئة بالمنكرات؟ لماذا فضلت الفتاة الجميلة السيئة الأخلاق على الفتاة العفيفة العالية الأخلاق؟ لماذا صاحبت رفقاء السوء وتركت الرفقة الصلة؟ لماذا….؟
لماذا لم تساعد فلان الذي طلب مساعدتك وكان في إمكانك ذلك؟ لماذا لم تصلي الصلاة في وقتها؟ لماذا لم تتعلم أمور دينك؟ لماذا لم تنصح صديقك العاصي؟ لماذا لم تأمر بالمعروف؟ لماذا لم ….؟
الآن تذكرأن العمل الصالح ليس سهلا دائما، فالتكليف لغة هو الأمر بما يشق على النفس. ومنطقيا، كيف تنال جائزة على شئ لم تتعب وتجاهد نفسك من أجل الحصول عليه. والأغرب من ذلك، كيف تريد الحصول على جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، هكذا وفقط ، بفعل إلا ما يعجبك ويوافق هواك. هذا وهم.
لهذا وحتى تكتمل الصورة، علينا أن نتحدث عن خلق عظيم جدا، أمرنا باكتسابه والتخلق به، هو الصبر.
يقول تعالى: “إلا الذين صبرو وعملو الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير” هود – 11
وقال تعالى ” فاصبر إن وعد الله حق” غافر – 77
وردد معي قوله تعالى : “ والله يحب الصابرين ” آل عمران – 146
ولقد ورد الصبر في القرآن أكثر من 90 موضعا، و هذا لم يحدث مع أي خلق آخر، يعني ورد أكثر من الصدق وأكثر من الأمانة.
والأحاديث النبوية في هذا الشأن كثيرة جدا. قال صلى الله عليه وسلم” عجبا لأمر المؤمن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”.
وكل عمل من الأعمال يعلم ثوابه، إلا الصبر، فقد قال الله عنه : “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر على المعصية.
في الختام، إليكم ملخص الملخص.
أولا تدبر جيدا هاته السورة التي قال عنها الإمام الشافعي، لو أنها وحدها فقط نزلت من القرءان لكفت، إنها سورة العصر. يقول الله عز وجل: ” والعصر ، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين ءامنو ، وعملوا الصالحات، وتواصو بالحق ، وتواصو بالصبر”
أقسم الله عز وجل بالوقت، أو العمر، وعندما يقسم الله عز وجل، فهذا دليل على عظم الأمر، لأن الله لا يحتاج إلى قسم، فكل كلامه وكل أمره حق. الله عز وجل أقسم أن كل الناس خاسرون وهالكون وضائعون، إلا فئة منهم، صفاتها كالتالي:
مؤمنون بالله واليوم الآخر يعرفون مصيرهم بعد الموت، وهذا الإيمان يدفعهم لملء أوقاتهم وأعمارهم بـ عمل الصالحات، أضف إلى ذلك أنهم يدعون أهلهم وأصدقائهم والناس من حولهم إلى طريق الله فمن سماتهم الأساسية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخلق الأساسي لأداء هاته المهمات هو الصبر، فلا بد من الصبر على جهاد النفس والصبر على الأذى والمشقة والعقبات التي تملأ الطريق.
ثانيا، أنقش هذا الحديث في ذاكرتك وطبقه حرفيا إذا كنت عاقلا، قال عليه الصلاة والسلام: “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني”. يعني العاقل هو من كانت الآخرة دوما حاضرة في ذهنه، فهو نتيجة لذلك يوجه كل وقته للعمل الصالح، وثانيا يجاهد نفسه ويحملها على الصبر وتحمل المشاق والصعوبات. إذا فعلت هذين الشرطين، فأنت أعقل الناس. أما إذا أتبعت نفسك هواها وحققت لها أي شئ تطلبه، ثم بعدها تمنيت من الله بدون عمل وبدون أخذ بالأسباب أن يتغير حالك وتنال الجنة والدرجات العلى، فأنت واهم عاجز ولو كنت تستطيع تحريك يديك ورجليك.
اللهم إجعلنا ممن ءامن وعمل صالحا ونشر الحق وصبر عليه. آمين.